|
|
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة من الحرب بين الدول إلي الحرب داخل الدول
|
|
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة من الحرب بين الدول إلي الحرب داخل الدول
بقلم : أحمد عز الدين
استعدت دراسة قديمة كنت قد أشرت إليها عند صدورها عن مركز "دراسات الشرق الاوسط" في واشنطن قبل أكثر من 10 سنوات للباحث الأمريكي تشالز وليم ، تصورت أنها يمكن أـن تضئ أفقا أعمق للسعي الامريكي لتوظيف المتغيرات العاصفة في المنطقة لصالح الاستراتيجية الأمريكية .
كانت الدراسة التي صدرت في إطار مشروع بحثي أكبر تحت عنوان " القرن الأمريكي الجديد" تحدد التهدديات البازغة في الإقليم في صورة التحولات الديمجرافية السكانية في الأفق المنظور للقرن الواحد والعشرين ، مشيرة إلي أن هذه التحولات ستبدل تاريخ المنطقة وستمثل أحد أهم تحولات التاريخ ، فبحلول الربع الاول من القرن الواحد والعشرين سيشكل المسلمون 30% من عدد سكان العالم ، بينما كانوا يمثلون في عام 1981 18% فقط ، حيث ستقز مصر إلي حدود 120 مليون نسمة قبل حلول منتصف القرن ، وتصبح سوريا قوة سكانية بوصولها إلي 50 مليون نسمة ، أما إيران فسيكون نموها إنفجاريا وسيتجاوز 160 مليون نسمة ، وسيضاعف من تأثير ذلك التضخم البنية السكانية الشابة في الهيكل السكاني لهذه الدول ، التي ستصبح أعمدتها تحت ضغط هائل لأجيال جديدة تتميز بوعي وطني متصاعد ، وبقوة في روح المقاومة ضد سيطرة الشمال ، وذلك ما يمثل – بألفاظ الدراسة – أكبر تحد للوضع الأمريكي في الشرق الأوسط خلال القرن الواحد والعشرين ، ومع أن الفجوة التكنولوجية بين الشرق الأوسط والشمال ستتزايد بإطراد ، لكن قدرة الشمال علي استخدام تفوقه التكنولوجي من أجل السيطرة ستنخفض من الناحية العملية ، ولذلك فإن الشمال يستطيع أن يوظف هذه الفجوة من أجل العقاب لا لتحقيق السيطرة ، وسوف يكون مرد ذلك إلي أمرين ، زيادة الوعي المتصاعد في الجنوب ، والمقاومة المتنامية لخسائر التدخل العسكري في الشمال ، والذي سيصبح في المحصلة النهائية مقيدا علي نحو أشد ، حيث سيبقي الخيار العسكري الوحيد أمام الشمال هو استخدام القصف الجوي من الفضاء ، فالشمال يمكنه أن يعاقب الجنوب بالقصف من الجو ، لكنه لن يتمكن من فرض إرادته ، إنه يستطيع أن يقصف الدن في لبنان علي سبيل المثال ، لكنه سيعجز عن إيقاف تيار المقاومة .
يضاف إلي المخاطر السابقة – بحسب الدراسة – توقع حصول دولة شرق أوسطية إلي جانب إسرائيل علي أسلحة تدمير شامل ، وتلك مسألة وقت فحسب ، وعندما يحصل ذلك ستتضاعف المخاطر علي نحو فريد ، لأن الدول الشرق أوسطية بسبب طبيعتها الخاصة وبنائها السكاني ستكون أكثر عدوانية علي المستوي الدولي .
يلاحظ هنا أولا أن الدراسة حددت المخاطر والتهديدات التي ستواجه الغرب عموما في صلب البنية السكانية نفسها وبغض النظر عن التوجه الاقتصادي أو الاجتماعي لهذه البيئية باعتبارها بطبيعتها الذاتية بيئة أكثر عدوانية ، ويلاحظ ثانيا أنها لم تشر غلي المصالح الاستراتيجية الغربية التي ستقع تحت التهديد وإن كانت قد أجملتها في تعبير محدد وهو "السيطرة" ، ويلاحظ ثالثا أن الاستراتيجية الأمريكية والغربية عموما قد قدمت في تجلياتها الراهنة حلولا بديلة تنتهي إلي توظيف هذه البيئة نفسها ضد نفسها بإشاعة الفتن وتسخين التناقضات وتحويل الحروب من صيغ بين الدول إلي صيغ واضحة داخل الدول .
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|